يتوقع المحللون أن تنهار أسعار السلع إذا دخلت الاقتصادات الرئيسية في حالة ركود، لكن قيود الإمداد والطلب القوي على النفط والنحاس أديا إلى انتعاش بسيط في الأسعار.
وتقول الكاتبة إيرينا سلاف في تقرير لها بموقع "أويل برايس" (Oil Price) إن أسعار النفط الخام تراجعت مؤخرا إلى ما دون 100 دولار للبرميل للمرة الأولى منذ أشهر، كما شهدت أسعار النحاس انخفاضا إلى أدنى مستوياتها منذ عامين تقريبا بسبب تداعيات التضخم.
وأشارت إلى أن الركود كان وشيكا وقارب الطلب على السلع على الانخفاض، غير أن أسعار النفط والنحاس انتعشت مرة أخرى واستمرت على نفس النسق التصاعدي، في وقت يعزو البعض انتعاش أسعار النحاس الأخير إلى احتمال تقديم الحكومة الصينية حافزا إضافيا للحفاظ على عجلة الاقتصاد.
وتحدثت الكاتبة عن انتعاش أسعار النفط رغم حالة عدم اليقين في الأسواق، في وقت لا يمكن تجاهل حقيقة أن الإمداد العالمي من النفط يبقى شحيحا في مقابل الطلب المرتفع.
وتقول الكاتبة إن العالم واجه بين عامي 2020 و2021 تهديد فيروس كورونا، فيما يواجه هذا العام تهديدين، الأول هو الحرب الروسية على أوكرانيا، والآخر الركود، ويبدو أن تهديد التضخم يفوق بشكل مرعب التهديد الذي يشكله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وتضيف أن كل الأخبار تتحدث عن الركود، في وقت تعرضت فيه البنوك المركزية للانتقادات بسبب تشديدها السياسة النقدية بسرعة كبيرة، مما يسرع ضغوط الركود.
وتتابع أنه في ضوء ذلك سرعان ما قررت صناديق التحوط اللعب بأمان والبدء في البيع، لكن هذا لا علاقة له بالمقومات الأساسية التي تعتبر سبب ارتفاع أسعار النفط.
وتشير الكاتبة إلى أن بنك "ويلز فارغو" (Wells Fargo) سلط مؤخرا الضوء على انعدام الصلة بين تقلبات أسعار السوق والطلب الفعلي والإمداد.
ووفقا لقسم إستراتيجية الاستثمار في البنك، فإن الولايات المتحدة (أكبر مستهلك للنفط في العالم) في حالة ركود بالفعل.
وحسب ما قاله كبير محللي السوق العالمية في بنك "ويلز فارغو" للاستثمار سمير سامانا "هناك ما يسمى الجزء الفني من الركود، ولكن حدث بعد ذلك تدهور ملموس في الاستهلاك والتوظيف".
وأضاف أن "الجزء الفني ليس سوى النصف الأول من القصة، أما عبء البطالة والاستهلاك فيمثل النصف الآخر".
ووفقا لمحللي بنك "ويلز فارغو"، أثبت التضخم أنه أسرع بكثير وأكثر اتساعا مما كان متوقعا في البداية، ونتيجة لذلك ساءت معنويات المستهلكين وغيّرت الشركات خطط الإنفاق الخاصة بها.
وبحسب محللي البنك، فإن الطلب على النفط لا يزال قويا كما يبدو في جميع أنحاء العالم على الرغم من أن البعض يتوقع انخفاضه.
من جهته، يقول إد مورس رئيس الأبحاث لدى "سيتي غروب" (Citigroup) "قلل الجميع تقريبا توقعاتهم للطلب لهذا العام، لكن الطلب ببساطة لم يشهد نموا على أساس تجريبي بالدرجة التي توقعها الناس".
بحسب الكاتبة، يتوقع بنك "غولدمان ساكس" (Goldman Sachs) أن يبلغ سعر النفط 140 دولارا للبرميل حتى في ظل مخاوف الركود التي تحوم حول السوق.
ويقول داميان كورفالين من البنك إن "سعر النفط لا يزال قضيتنا الأساسية، لأنه على عكس الأسهم -وهي أصول استباقية- تحتاج السلع إلى حل مشكلة العرض والطلب غير المتوافقة اليوم".
لكن توقعات الأسعار الحالية -سواء من قبل "سيتي غروب" أو من "غولدمان ساكس"- لا تأخذ بعين الاعتبار اضطرابات الإمداد، تقول الكاتبة.
ومن المتوقع -حسب الكاتبة- أن تأتي الاضطرابات بشكل أساسي من صادرات النفط الروسية، لكن ربما أُخذ ذلك بالاعتبار حاليا في الأسعار، إذ لا تزال أمامنا مهلة 6 أشهر قبل أن يدخل الحظر النفطي الذي فرضه الاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ.
في غضون ذلك، لا تزال بدائل إمدادات الطاقة لأوروبا قليلة ومتباعدة بسبب حجم صادرات النفط الروسية إلى القارة.
ومن المرجح أن يستمر هذا في التأثير على أسعار النفط بغض النظر عن الاتجاهات الاقتصادية، وحتى لو أدى الركود إلى تراجع الطلب على النفط فقد يستغرق تدمير الطلب الحقيقي وقتا طويلا بحيث قد يتراجع سعر برميل النفط إلى 65 دولارا، تضيف الكاتبة.
وتؤكد أن لمخاوف الركود أسسا ثابتة، ولكن أساسيات السلع في ما يتعلق بالنفط والغاز والسلع الزراعية والمعادن لم تتغير لمجرد أن صناديق التحوط بدأت فجأة في القلق بشأن الركود، لكن الأفق لا يزال ضيقا، وهذا يضع حدا أدنى للأسعار طالما ظل العرض شحيحا.