كاتب ومحلل اقتصادي
فرحة عارمة تملّكت الناجحين بالثانوية العامة هذا العام، ورغم علو موسيقى النجاح ظهرت أصوات خافتة تبعث رسائل إحباط للناجحين بألا تفرحوا كثيراً "فمصيركم في النهاية كآلاف الخريجين العاطلين عن العمل".
هذه الأصوات، وإن كانت في غير وقتها، إلا أنها تعبّر عن حالة وصل لها كثير من الخريجين في قطاع غزة تحديدًا، فنسبة البطالة من الجامعيين الذين يحملون درجه الدبلوم المتوسط فأعلى تعدّت الـ 75 %.
و إذا أردنا مناقشة أسباب تفشي ظاهرة بطالة الخريجين بهذا الحجم المهول، وجدنا الإجابة التي لا تحتاج إلى كثير من العناء: "الحصار والاحتلال وما خلقه ذلك من حالة تعطل".
صحيح أنّ الاحتلال هو السبب الرئيس في نكباتنا كلها، وأنّ الغمّة لن تزاح إلا بإزالته والتحرر منه، لكن هناك أسباب أخرى أيضا بأيدينا التخلص منها وحلّها، فشمّاعة الاحتلال لا تعفينا من ضرورة التفكير الجاد بالخلاص وأن نحكّ جلدنا بأظافرنا لأن لعن الظلام لن يشعل لنا النور.
وهنا، يتناسى الكثير منا أن الخريج نفسه وجهات التشغيل والمؤسسة التعليمية الحكومية والجامعية قد يكونون سبباً في تفاقم المشكلة بين صفوف العاطلين.
فعدم اختيار الخريج التخصص المناسب لقدراته ومعرفته احتياج سوق العمل ابتداءً، وعدم عمله على تطوير قدراته في الجوانب المتعددة "حاسوب ولغات وبرمجيات..”، يعتبر من أبرز أسباب المشكلة خصوصاً أن بيئة الندرة التي نعيش بها ترفع الحاجة إلى الكفاءة حيث شراسة المنافسة، وهنا يكون "لا مكان للأقل كفاءة".
وهذا يتطلب من الطالب التدقيق جيدًا في التخصص الذي يواكب قدرته ويستطيع التميز فيه، وكذلك ألا يلتفت الى الأسماء الرنانة للتخصصات وينظر بتجرد فيما سيخدمه مستقبلاً في سوق العمل، حيث إن الاختيار الآن قد يوازي في أهميته كل مراحل دراسته السابقة.
ويجدر الإشارة أيضا الى أنّ المؤسسة التعليمية والجامعية تتحمل المسؤولية في تفاقم الأزمة عبر عدم مواكبتها احتياج سوق العمل وتطوير البرامج بما يخدم الخريج وعدم تناغم السياسة التعليمية بالاحتياج الوظيفي والتنموي للبلد.
بدورها، لا بد للجهات الحكومية المسؤولة عن اعتماد التخصصات أن تتحمل مسؤوليتها وتقول كلمتها في الجامعات والبرامج التي يتم افتتاحها لا لحاجة أو ضرورة، إنما لأغراض لا تتعدى الربحية.
ومن واقع اطلاع، فإنّني أنصح إخواني وأخواتي خريجي الثانوية العامة أن يبدأوا، من اللحظة، في التفكير في عملهم الحر والخاص، واختيار التخصص المناسب بناءً على احتياجات عملهم ومشروعهم الحر ابتداءً، مع الأخذ بعين الاعتبار احتياج السوق، والعمل على تطوير المهارات المتعددة واكتشاف الذات باكرًا.
ونقول ختاماً، ارسم مستقبلك من الآن حتى لا تقع في الفخ، واعلم أن الوظيفة غدًا تنتظر القرار السليم الذي تتخذه اليوم، وألف مبارك للناجحين.