أعلنت الجزائر توقيعها على "الخطة الخماسية الثانية للتعاون الإستراتيجي الشامل" مع الصين، للسنوات 2022-2026، تزامنا مع تقدمها رسميا بطلب الانضمام لمجموعة "بريكس".
وتهدف الخطة إلى تكثيف التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والطاقة والزراعة والعلوم والتكنولوجيا والفضاء والصحة والتواصل الإنساني والثقافي، وفق بيان للخارجية الجزائرية.
وأوضح البيان أن التوقيع الجديد يُعدّ "تعزيزا لاتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة الموقعة سنة 2014، واستكمالا للرغبة المشتركة للجانبين في توثيق العلاقات الجزائرية-الصينية والدفع بها إلى أعلى المراتب، بما يستجيب لتطلعات البلدين الصديقين".
كما يعكس "حرص الطرفين على تثمين التعاون في إطار مبادرة الحزام والطريق التي انضمت إليها الجزائر سنة 2018″، حسب بيان الخارجية.
ويأتي ذلك في وقت أعلنت فيه بكين دعمها اللامشروط لانضمام الجزائر إلى مجموعة "بريكس"، وهو الموقف نفسه الذي أعربت عنه روسيا أخيرا.
وتعرف العلاقات الاقتصادية بين البلدين منحى تصاعديا منذ سنوات، فقد أنجزت شركات صينية مشاريع جزائرية مهمة مثل: السكنات (في حدود 20 مليار دولار) والطريق السريع شرق غرب (11 مليار دولار)، وجامع الجزائر (نحو مليار دولار) وغيرها.
وفي مارس/آذار الماضي، بدأ الشريك الصيني استثمارا بقيمة 7 مليارات دولار في قطاع الفوسفات لإنتاج 5.4 ملايين طن من المخصبات الزراعية، كما ظفرت 3 شركات صينية بمشروع منجم غار جبيلات لاستخراج خام الحديد بقيمة ملياري دولار في مرحلة أولى.
وتعد الصين أول مموّل تجاري للجزائر منذ 2019 بـ17% (ما يعادل 9 مليارات دولار)، وفق الإحصاءات الرسمية.
وعن خلفيات التقارب الإستراتيجي بين الجانبين، أفاد الخبير الاقتصادي أحمد شريفي بأن العلاقات الجزائرية الصينية مبنية على التعاون والانسجام والامتداد التاريخي والتوجه السياسي المشترك والعقيدة الاقتصادية القائمة على القطاع الحكومي وتدخل الدولة.
وأوضح -في تصريح للجزيرة نت- أن تلك العلاقات المتميزة والمتنامية أثمرت التوقيع على إعلان الشراكة الإستراتيجية الشاملة في مايو/أيار 2014، وقد أعطى ذلك دفعة قوية للعلاقات البينية.
وذكر بهذا الصدد تطور وتوسع المبادلات التجارية التي انتقلت فيها الواردات الجزائرية من مليار دولار سنة 2003 إلى أكثر من 9 مليارات دولار (2019-2020).
وأشار إلى النمو المتسارع لرصيد الاستثمارات الصينية في الجزائر، حيث انتقلت من 1.9 مليار دولار أميركي خلال الفترة 1979-2002 إلى 22 مليار دولار خلال الفترة 2005-2016.
ونتج عن تقدم العلاقات انضمام الجزائر إلى طريق الحرير الصيني، وما تضمنه من مشاريع إستراتيجية، وسعْيها حاليا للالتحاق بمجموعة "بريكس"، وفقا لشريفي.
كما وقف المتحدث عند حاجة الصين للاستثمارات الطاقية، التقليدية وغير التقليدية والمتجددة، والتي تتوفر عليها الجزائر نسبيا، إذ بلغت 16 مليار دولار عام 2016.
وفي مجال البنية التحتية والإنشاءات، وقف الخبير شريفي عند مشروع ميناء شرشال (6 مليارات دولار)، والذي "من المقرر الانتهاء منه سنة 2023، حيث يعد الأكبر متوسطيا والخامس عالميا"، وكذلك تمويل مشروع الطريق الصحراوي الأفريقي الرابط بين الجزائر ونيجيريا.
وشكلت تلك المكاسب والتطلعات ركيزة أساسية لتوقيع الخطة الخماسية الثانية للتعاون الإستراتيجي 2022-2026 بين البلدين، لتكريس استدامة العمل المشترك، حسب قول الخبير شريفي.
وأوضح شريفي، وهو أستاذ اقتصاد بجامعة الجزائر، أن الشريكين يرغبان في زيادة معدلات التبادل التجاري، لضمان استمرار عمل سلاسل الإمداد لأسواق البلدين، من مُدخلات الطاقة والمواد الأولية والسلع الاستثمارية والاستهلاكية، في ظل ما تعرفه من انقطاعات وندرة وتضخم، بسبب "الأزمات المالية والتطورات الأمنية والبيئية والتكنولوجية وانعكاساتها على الأداء الاقتصادي والاستقرار العالمي".
كما تستهدف الخماسية الثانية، من وجهة نظر الخبير، استمرار تدفق المشاريع الاستثمارية الصينية المتنوعة والمهمة حجما وقيمة إلى الجزائر، وما يترتب عليها من امتلاك أصول طويلة الأجل، تفرض استدامة الشراكة والتعاون بين البلدين، والانتقال بها إلى مستويات إستراتيجية تحقق الأمن والأمان، على حد تعبيره.
وشدد البرلماني السابق، ضمن دوافع التعاون الإستراتيجي، على مواجهة مخاطر السياسات الاقتصادية لبعض القوى الكبرى، والتي تعمل على إعادة توجيه رؤوس أموالها وسحب استثماراتها من العالم الثالث، بهدف تمركزها في بلدانها الأصلية، حسب تقرير الاستثمار العالمي "الأونكتاد" لعام 2022، وهو ما تؤكده السياسات النقدية المتشددة للتكتل الغربي.
وأثار الخبير تعزيز القدرات التنافسية والإنتاجية والتكنولوجية للدولتين، في ظل ما يشهده العالم من تسابق للهيمنة والاحتكار وكبح نمو اقتصادات الدول غير التابعة، أو غير الصديقة للغرب، عبر السياسات التجارية المتشددة.
ويرى شريفي كذلك أن تخفيض المخاطر المتنوعة التي تهدد الأمن الدولي والقومي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمحيط الهادي، والتوجه نحو تشكل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، كلها عوامل تفرض بناء شراكات إستراتيجية بين الدول.
كما تريد الجزائر تنويع اقتصادها وتسريع وتيرة نموه واستغلال الموارد المتوفرة بالاستفادة من قدرات الصين، وسعيا لاستثمار الفوائض المالية للبلدين في أصول حقيقية أقل مخاطرة وذات عوائد مستقرة، حسب الخبير شريفي.
ومن جهته، قال الخبير الاقتصادي تومي عبد الرحمن إن "العالم الآن آخذ في التشكل إلى الثنائية القطبية، لذلك لا بد من الاصطفاف إلى جهة واعدة تمثل جزءا مهما جدًّا من المجتمع الدولي في كل مناحي الحياة".
وفي ضوء ذلك، يعتقد تومي أن "الجزائر بدأت بالفعل الدخول إلى عالم الكبار بطريقة ذكية، تحافظ بها على توازنها الإقليمي والدولي"، حيث أصبحت لها القدرة على الاختيار الإستراتيجي الذي يمنحها مزيدا من التطور وفرض أمر واقع جديد، على حدّ وصفه.
وأكد -في تصريح للجزيرة نت- أن الجزائر وجدت في الصين الشريك الذي يمكن أن يحقق لها القيمة المضافة مقارنة ببقية البلدان المتعاملة معها اقتصاديا، موضحًا أن المشاريع المنجزة على قاعدة "رابح-رابح" أثبتت أنه يمكن استغلالها استغلالا أوسع وأفضل عبر خطط خماسية مدروسة بدقة، ضمن برامج تنموية تحقق أهداف البلدين.
وبقرارها إعطاء الصين الأولوية في علاقاتها، فإن الجزائر ترغب في الاستفادة من ميزة التنافس بين البلدان على الاستثمار والتجارة، وتسهيل اندماجها في قطب "بريكس"، وتسريع الإقلاع الاقتصادي، حسب الخبير تومي.
كما تبحث الجزائر تمويل المشاريع، كون الصين قوة مالية ضاربة، وكذلك نقل الخبرة التكنولوجية والفنية، عن طريق التكوين والتدريب والتعليم، زيادة على التعاون في مجال الصناعة العسكرية، خاصة ما يتعلق بالفضاء والقضايا اللوجستية والصواريخ، مثلما يضيف تومي.
وأعطى المتحدث أهمية كبيرة للاستثمار في قطاع الهياكل القاعدية، كشبكة السكة الحديد والمياه والمعادن النادرة والكهرباء والطرقات، باعتبارها ضمن أولويات السلطات الجزائرية.
وأشار الخبير تومي، وهو عضو سابق بلجنة الاقتصاد بالبرلمان، إلى حاجة الجزائر في ميادين "صناعة المركبات وإنتاج الأدوية والتعاون في مجالات الصحة والفلاحة الصحراوية، فضلا عن الوقوف إلى جانبها ضدّ التهديدات الأمنية الخارجية".
بالمقابل، تتمثل فوائد الصين من تكريس التعاون الإستراتيجي في ربط الجزائر بفلكها، وبالتوازنات الدولية الصينية، من خلال التجمع الاقتصادي الآسيوي "بريكس"، وجعلها منطقة حيوية إستراتيجية كبوابة لقارة أفريقيا وأوروبا، حسب الخبير تومي.
كما أن الجزائر سوق مهمة لتصريف منتجات الصين من السلع والخدمات، بأكثر من 45 مليون نسمة، وهي أيضا مناخ اقتصادي ملائم لمضاعفة استثمارات بكّين وتعظيم أرباحها في مختلف القطاعات العسكرية والصناعية، على حد تعبيره.
وأشار تومي إلى أن الجزائر من أهم مصادر توفير الغاز والبترول لفترة زمنية مفتوحة بالنسبة للصين، ويمكنها الاستفادة من الثروات الخام التي تزخر بها في إطار الشراكة الثنائية.