قرر البنك المركزي المغربي رفع سعر الفائدة الرئيسي بواقع 50 نقطة أساس، لثالث مرة في غضون 6 أشهر، ودخل القرار حيز التطبيق بدءا من الخميس الماضي.
وقال البنك إن الهدف من هذه الخطوة هو تفادي حدوث دوامات تضخمية، والتحكم في مستويات التضخم بغية عودتها إلى مستويات تتماشى مع هدف استقرار الأسعار.
واستهل المغاربة شهر رمضان على إيقاع ارتفاع أسعار المواد الغذائية رغم الوعود الحكومية بتوفير تموين كاف للأسواق بجميع المواد بأسعار في متناول المواطن.
وقفز معدل التضخم إلى مستوى قياسي، إذ بلغ المعدل السنوي العام الماضي 6.6%، وهي أعلى نسبة يسجلها منذ عام 1992 حسب ما أعلن البنك المركزي في بيان عقب اجتماعه الفصلي الأول برسم سنة 2023، وتوقع أن يصل المعدل خلال العام الجاري إلى 5.5% في المتوسط.
من جهتها، كشفت المندوبية السامية للتخطيط أن معدل التضخم قفز إلى 10.1% في فبراير/شباط الماضي، مدفوعا بشكل خاص بتزايد أسعار المواد الغذائية 20.1%، والمواد غير الغذائية بنسبة 3.6%.
وأفادت المندوبية أن ارتفاعات المواد الغذائية المسجلة ما بين يناير/كانون الثاني وفبراير/شباط 2023، شملت على الخصوص أثمان الخضر بنسبة 17.8%، والفواكه بنسبة 5.7%، واللحوم بنسبة 4.3%، والحليب والجبن والبيض بنسبة 2.3%.
وأقر الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى بايتاس، خلال ندوته الصحفية الأسبوعية، بأن الإجراءات التي قامت بها الحكومة من أجل الحد من ارتفاع الأسعار لم تحقق الأهداف المطلوبة.
وبعدما كانت وزارة الاقتصاد والمالية قد توقعت الأسبوع المنصرم انخفاض الأسعار بحلول رمضان، قال بايتاس إن مشكلة الأسعار أعقد بكثير.
يوضح الخبير الاقتصادي الطيب أعيس أن تضخم الكتلة النقدية المتداولة قد يكون بسبب طباعة الأوراق النقدية بكثرة أو القروض البنكية، ولفت إلى أن رفع معدل الفائدة هدفه التقليل من الاقتراض وبالتالي كبح جماح التضخم.
وقال أعيس -في حديث للجزيرة نت- إن رفع معدل الفائدة يؤدي إلى انخفاض الاستهلاك والاستثمار، مما ينجم عنه انكماش اقتصادي وانخفاض في نسبة النمو، وأضاف أنه "في الغالب إذا كان التضخم سببه القروض البنكية تتم معالجته برفع معدل الفائدة، فهل التضخم في المغرب سببه هو القروض؟".
ويرى أن بعض أسباب ارتفاع معدل التضخم بالبلاد خارجية مرتبطة بتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وارتفاع أسعار البترول والمواد الأولية في الأسواق الدولية، غير أنه يلفت إلى أن جانبا يعزى لعوامل داخلية، مثل المضاربات والاحتكار الذي تشهده عدد من القطاعات الاقتصادية.
ويخلص المتحدث إلى أن قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة لن يحل مشكلة التضخم وارتفاع الأسعار، بل سيستمران وسينجم عن ذلك انخفاض نسبة النمو وارتفاع البطالة وحدوث ما يسمى "تضخما ركوديا".
من جهته، يرى الخبير في قانون الاقتصاد والأعمال بدر زاهر الأزرق أن العوامل الخارجية وأيضا الداخلية، مثل المضاربات والبنية الاقتصادية والقطاع غير المهيكل وانعدام المراقبة وغيرها، من المحددات التي تسهم في ارتفاع التضخم، وبالتالي ارتفاع الأسعار لا يد للبنك المركزي عليه، ولن يحد منه قراره رفع سعر الفائدة، بل يحتاج إلى إجراءات حكومية فعالة.
وفي ظل هذه الوضعية يتساءل الأزرق -في حديث للجزيرة نت- "ما جدوى اتخاذ البنك المركزي هذا القرار؟ وهل كان للجرعة الأولى والثانية من الرفع أثر على ضبط أسعار السوق الداخلية حتى يكون للجرعة الثانية أثر كذلك؟".
غير أن الخبير يرى لهذا القرار وجها إيجابيا ومفيدا، مشيرا إلى أن المملكة أظهرت انضباطها للإيقاع المالي والاقتصادي الدولي، وهذا يؤهلها لحصد مجموعة من الامتيازات، مثل تلك التي تم الإعلان عنها مؤخرا بالحصول على خط ائتماني والخروج من اللائحة الرمادية والحصول على المساعدات والدعم المالي في حال حصول أزمة اقتصادية بالبلاد.
وكانت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجيفا قد أعلنت الأسبوع الأول من مارس/آذار الحالي عزمها التوصية بالموافقة على خط ائتمان مرن للمغرب بقيمة 5 مليارات دولار، وذلك بعد خروج المغرب من اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي.
أما سلبيات القرار، فجلها تنصب على المستوى الداخلي، حسب الأزرق، إذ ستضرر عدد من القطاعات بسبب حدوث انكماش اقتصادي، خاصة قطاعات العقارات والخدمات.
وذهب أعيس إلى المنحى نفسه، حين لفت إلى أن رفع معدل الفائدة سينعكس سلبا على لجوء الشركات للاقتراض، وهو ما سيعمق مشاكلها ويزيد من صعوباتها.
وستكون الشركات المتوسطة والصغرى أكثر المتضررين من هذا القرار، وتشكل هذه الشركات جزءا مهما من النسيج الاقتصادي المغربي، إذ تمثل 93% من بنية الشركات بالمغرب، حسب دراسة للمندوبية السامية للتخطيط، وتوفر نحو 74% من فرص العمل.
ولا يتوقع الأزرق انخفاضا في الأسعار رغم توقعات الحكومة وقرار البنك المركزي، ويرى أن الأسعار ستظل على المستوى نفسه من الارتفاع أو ستزيد زيادة طفيفة أكثر من تلك المسجلة خلال الأشهر الماضية.
ويتخوف أعيس من العواقب الاجتماعية لقرار البنك المركزي، مثل ارتفاع البطالة وتسريح العمال وانخفاض القدرة الشرائية، موضحا أنه "سننتقل من أزمة اقتصادية إلى أزمة اجتماعية، وهذا أخطر".
هذه المخاوف دعت مجموعات برلمانية من المعارضة إلى مراسلة رئيس لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بمجلس النواب لطلب مثول وزيرة الاقتصاد والمالية ومحافظ بنك المغرب للبحث في تداعيات قرار البنك المركزي رفع سعر الفائدة الرئيسي على الاقتصاد الوطني وتأثيره على الاستهلاك والطلب الداخلي والإقبال على القروض العقارية والاستهلاكية وقروض التجهيز.
ويرى الطيب أعيس أن الحكومة مطالبة بمواكبة هذا الوضع واحتوائه للتخفيف من تبعات قرار البنك المركزي على الاقتصاد وحماية القدرة الشرائية للمواطنين بتفعيل إجراءات حقيقية وفعالة.