تنتهج روسيا مبدأ المعاملة بالمثل في "حرب الديون" التي اشتعلت مؤخرا عقب فرض عقوبات أوروبية على موسكو جراء الحرب الروسية في أوكرانيا.
وتتوقع العديد من المؤسسات المالية وعلى رأسها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومعهد التمويل الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني مثل فيتش وستاندرد آند بورز وموديز، أن تتخلف روسيا عن سداد ديونها، خصوصا أن موعد استحقاق أول دين في 16 مارس/آذار الجاري.
وفي تصعيد روسي ضد الدول التي صوتت ضدها بشأن الحرب في أوكرانيا، نقلت وكالة تاس للأنباء عن وزير المالية أنطون سيلوانوف قوله إن روسيا ستسدد التزاماتها الخارجية بالروبل إذا استمر تجميد حسابات النقد الأجنبي للبنك المركزي والحكومة بسبب العقوبات الغربية.
وأضاف سيلوانوف أنه سيتم الوفاء بالالتزامات الروسية تجاه المستثمرين الأجانب بأي حال من الأحوال.
ورغم أن أغلب حاملي السندات الروسية قد يرفضون تحصيل أموالهم بالروبل الروسي المنخفض حاليا، إلا أن مقال وول ستريت جورنال يوضح أن بعض السندات الروسية بنحو "15 مليار دولار" تتمتع موسكو بحق تعاقدي فيها بالدفع بالروبل بدلا من الدولار أو اليورو، وهو ما قد يعني أن الخلافات بين المقرضين وروسيا قد تنشأ عند احتساب قيمة الروبل المتداعية مقابل الدولار.
كما أن روسيا أعدت خطة محكمة لمواجهة العقوبات الأمريكية والأوروبية، فقبل اندلاع الحرب في نهاية فبراير/شباط الماضي، تحوطت روسيا بأكثر من 640 مليار دولار، وهو ما قد يضمن لها استقلالية مالية تصل إلى 10 أشهر على الأقل.
ويشير تحليل تليجراف إلى أن المقرضين الفرنسيين والأمريكيين قد يتأثرون في حال عدم دفع روسيا لمستحقاتها، أو حتى في حال سيناريو دفعها بعملة الروبل.
ويلفت المحلل الاقتصادي رشيد ساري، في تصريحات صحفية أدلى بها أمس الخميس، إلى أن "الدول التي ستتأثر أكثر هي الدول التي صوتت ضد الحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، خاصة أن موسكو حاليا تتعامل بسياسة التعامل بالمثل، وهذا ما سيجعلها تريد الكيل بمكيالين".
وأضاف أنه "قبل دخولها الحرب قامت روسيا بالتحوط ماليا بأكثر من 640 مليار دولار، وهو ما قد يضمن لها استقلالية مالية تصل إلى 10 أشهر على الأقل".
وتحمل روسيا قروضا خارجية قيمتها الإجمالية حوالي 40 مليار دولار مقومة بالدولار واليورو، يمتلك حوالي نصفها مقرضون أجانب، بما يشمل بنوكا وصناديق تقاعد وصناديق استثمارية، يضاف لها نحو 28 مليار دولار قروض مقومة بعملة الروبل الروسية، وفق وول ستريت جورنال.
وبحسب بيانات بنك التسويات الدولية، تمتلك البنوك الفرنسية نحو 4.5 مليار دولار من السندات الحكومية الروسية، فيما يمتلك مقرضون أمريكيون 3.8 مليار دولار، ويمتلك مقرضون نمساويون 3.2 مليار دولار، في حين أن المقرضين الإيطاليين يمتلكون 2.6 مليار دولار، بينما تمتلك بنوك بريطانية 520 مليون دولار.
ويأتي ترتيب الدول الدائنة لكيانات موجودة في روسيا بحسب البيانات، وفقا لتقرير نشرته مجلة فوربس:
وتقدر وكالة موديز أن المستثمرين يمكنهم توقع الحصول على نحو 35 إلى 65% من قيمة السندات التي يمتلكونها فقط، وفق تقرير فورتشن.
وأشارت الوكالة إلى "زيادة خطر الاضطراب" في سداد الديون السيادية الروسية في مواجهة "العقوبات المنسقة" و"المخاوف الرئيسية بشأن استعداد روسيا" لدفع خدمة ديونها.
وتابعت موديز أن ما يزيد من الخطر هو أن عقوبات "أوسع وأخطر متوقعة" تحد من الوصول إلى احتياطات روسيا الدولية التي تهدف إلى امتصاص الصدمات الكبرى.
وفي مقال للرأي نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، يقول كاتبه جاي نيومان، إن "انهيار الروبل ليس سوى جزء من المشكلة، إذ تفتقر شروط عقد السندات الروسية للحماية الأساسية للدائنين".
ويؤكد تقرير فورتشن، أن حاملي السندات الأجانب يتوقعون أن يتم سداد المستحقات بالعملة التي يجب تسوية السندات بها، وهم على الأرجح لن يقبلوا التغيير الذي يريد بوتين أو السلطات الروسية فرضه.
ويضيف أن حاملي السندات يمكنهم دائما اللجوء إلى المحاكم الأجنبية على أمل استرداد ديونهم، لكن المعارك القانونية حول هذا النوع من الديون يمكن أن تستغرق زمنا طويلا، فيما تشير صحيفة وول ستريت جورنل إلى أن السندات السيادية عادة ما يحكمها القانون الإنكليزي، ولكن روسيا ترفض الخضوع لاختصاص قضائي لأي محكمة أجنبية وحتى محلية.
ونشرت شركة “ستاتيستا” Statista المتخصصة بدراسات وإحصائيات السوق، بيان يوضح حجم الدين العام في روسيا خلال الفترة من 2016 حتى عام 2026، وأظهرت البيانات أن الدين العام في روسيا سجل خلال عام 2021 نحو 296.29 مليار دولار، وفي عام 2022 الجاري سجل نحو 310.07 مليار دولار، ومتوقع في عام 2023 أن يسجل نحو 323.63 مليار دولار، وعام 2024 يبلغ نحو 342.4 مليار دولار، وعام 2025 نحو 355.88 مليار دولار، وعام 2026 نحو 375.91 مليار دولار.
قال معهد التمويل الدولي إن من المرجح جدا أن تتخلف روسيا عن سداد ديونها الخارجية وأن يعاني اقتصادها انكماشا بأكثر من 10% هذا العام بعد أن فرض الغرب عليها عقوبات لم يسبق لها مثيل من حيث النطاق والتنسيق.
وقالت إيلينا ريباكوفا نائبة كبير الخبراء الاقتصاديين في معهد التمويل الدولي للصحفيين "إذا تصاعدت هذه الأزمة، عندئذ فإن تخلفا عن السداد وإعادة هيكلة للدين سيكونان شيئا مرجحا".
وأضافت قائلة إن تخلفا عن السداد سيكون "مرجحا للغاية" رغم أن الحجم الصغير نسبيا للحيازات الأجنبية -حوالي 60 مليار دولار- في الدين الروسي سيحد من التداعيات.
خفّضت وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني الثلاثاء الماضي تصنيف الديون السيادية الروسية من "بي" إلى "سي"، في قرار يعني أنّ تخلّف موسكو عن سداد ديونها أصبح بنظرها "وشيكاً".
وعلى غرار وكالتي التصنيف الرئيسيتين الأخريين (ستاندرد آند بورز وموديز)، خفّضت فيتش في مطلع آذار/مارس الجاري علامة الديون السيادية الروسية الطويلة الأجل إلى خانة الديون "غير المرغوب بها" أو فئة البلدان المعرضة لخطر التخلّف عن سداد ديونها.
لكنّ الوكالة قرّرت الثلاثاء الماضي تخفيض هذه العلامة أكثر في ضوء "التطوّرات التي قوّضت أكثر رغبة روسيا في خدمة دينها العام".
وكلّما انخفض تصنيف الديون السيادية لدولة ما كلّما تراجعت ثقة المقرضين بالبلد وتضاءلت قدرته على الاقتراض بأسعار فائدة معقولة.
ولتبرير قرارها، استشهدت فيتش بمرسوم وقّعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 5 مارس/آذار ويسمح بموجبه بسداد مستحقّات الديون لمقرضين من دول محدّدة بالروبل بدلاً من سدادها بعملات أجنبية.
كما لفتت الوكالة إلى قرار أصدره البنك المركزي الروسي وفرض بموجبه قيوداً على تحويل بعض السندات إلى غير المقيمين.
وقالت فيتش "بصورة أعمّ، فإن تشديد العقوبات والمقترحات التي من شأنها أن تحدّ من تجارة الطاقة تزيد من احتمالية" أن تلجأ روسيا إلى خيار "يتضمّن على الأقلّ عدم سداد انتقائي لالتزاماتها السيادية".
كما أشارت فيتش إلى إمكانية أن تحول حواجز تقنية، مثل القيود المفروضة على تحويل الأموال، دون أن تسدّد روسيا مستحقات ديونها.
وإذا صحّت توقّعات فيتش فستكون هذه المرة الأولى منذ 1998 التي تتخلّف فيها روسيا عن سداد مستحقات سيادية.
انضم صندوق النقد الدولي إلى مجموعة متنامية من الجهات العالمية التي تحذر من خطر عجز روسيا عن سداد التزاماتها المالية عقب الحرب الروسية في أوكرانيا.
ونقلت وكالة بلومبرج للأنباء عن مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا قولها للصحفيين أمس الخميس إن عجزا روسيا عن سداد الديون لم يعد "حدثا بعيد الاحتمال".
وقالت: "لا يتعلق الأمر بأن روسيا ليس لديها أموال، بل لأن روسيا لا يمكن أن تستخدم هذه الأموال"، مضيفة أن العقوبات غير المسبوقة على البلاد ستجعل من الصعب عليها تحويل أصول الاحتياط الخاصة بها لدى صندوق النقد والمعروفة باسم حقوق السحب الخاصة إلى نقد.
وقفز التداول على مبادلات مخاطر الائتمان، والمستخدمة للتأمين ضد عدم السداد، قد قفزت بشكل صاروخي وأشارت فيتش إلى أن هناك فرصة للتخلف عن السداد بنسبة 71% خلال عام، وبنسبة 81% خلال 5 سنوات.