إذا كانت الدول الأوروبية قد تأثرت على صعيد الطاقة والغاز جراء الحرب الروسية - الأوكرانية، فإن لبنان والدول العربية تضررت من هذه الحرب جراء انقطاع القمح والزيوت النباتية التي كانت تستورد من أوكرانيا بشكل كبير، مما انعكس سلباً على حياة المواطنين بعد ارتفاع الأسعار بشكل جنوني، وبعد أن عانوا من جائحة كورونا المستمرة، فهل هذه الحرب هي السبب الوحيد لارتفاع الأسعار؟
أسباب ارتفاع الأسعار
يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور جاسم عجاقة "أن الأسعار ارتفعت نتيجة الجائحة التي عطلت الإنتاج بمناطق عدة، وأتت الحرب بين روسيا وأوكرانيا لتزيد الأعباء من خلال ضرب المناطق الأكثر إنتاجاً للمواد الغذائية، ونحن نعرف أن الأراضي الخصبة الموجودة على الحدود بين أوكرانيا وبيلاروس وبين أوكرانيا وروسيا وتحديداً في الشمال والشمال الشرقي لأوكرانيا، لذلك فالشرق الأوسط اليوم الذي يستورد 50 في المئة من استهلاكه من روسيا وأوكرانيا تأذى بشكل كبير، وبالتالي كان ارتفاع الأسعار نتيجة حتمية لهذه الأمور".
ويشير إلى أنه "على الرغم من وجود مصادر أخرى لكن أسعارها ستكون مرتفعة أكثر، مما يبرر ارتفاع الأسعار على الصعيد المحلي".
وأما بالنسبة إلى جشع التجار فيقول عجاقة "إن هذا الأمر محسوم على الصعيد اللبناني، ونحن نعرف أن هناك مخالفة واضحة للقوانين اللبنانية من قبل التجار من خلال ممارستهم لمبدأ يسمونه بـ "ثمن الاستبدال"، وبالتالي فالمواطن لا يدفع كلفة السلعة مع ربح للتاجر، بل يدفع ثمن السلعة وربح التاجر والأسعار التي يريد أن يتكلفها الأخير ليستطيع أن يؤتي بدل هذه السلعة، ولكن ذلك مخالف للقوانين اللبنانية والتجار يشتكون في هذه الحال من أنه إذا لم يطبق هذا المبدأ فسيتآكل رأسمالهم، ولكن يبقى هذا الأمر مخالفاً للأطر القانونية".
ويرى الخبير الاقتصادي أن "رفع الأسعار مبني على مستويين، الأول من خلال ثمن الاستبدال والثاني من خلال الاحتكار في العديد من الأماكن"، لافتاً إلى أن "الاحتكارات في لبنان والتهريب إلى الخارج وصلا إلى مستويات مرعبة، بخاصة حين كان هناك دعم من قبل مصرف لبنان بالدولارات على سعر 3900 ليرة للدولار الواحد، ولذلك يتحملون مسؤولية كبيرة جداً. أما انخفاض سعر الدولار في السوق السوداء فلم يؤثر في الأسعار، بل على العكس ارتفعت أسعار بعض السلع والمواد الغذائية بشكل هائل".
تقاعس وزارة الاقتصاد
أما عن تقويمه لدور وزارة الاقتصاد فيقول عجاقة، "كما رأينا وزير الاقتصاد السابق قام بعملية تشريع للـ replacement cost وهو أمر مخالف للقانون، واليوم وزارة الاقتصاد وتحديداً مديرية حماية المستهلك حتى لو كانت تقوم بمهماتها لكنها تابعة لأوامر رؤسائها، وبالتالي نحن نعلم أن هناك تشابكاً بين التجار وأصحاب النفوذ، وبالتالي فهذا الأمر يمنع وزارة الاقتصاد أن تقوم بكامل مهماتها".
ويؤكد أنه "يجب كسر الاحتكار من خلال تطبيق القانون الذي صوت عليه حديثاً وهو قانون التنافسية، إذ إنه مرهون تطبيقه بتعيين الهيئة الناظمة للقطاع، وهذا الأمر يعني أننا دخلنا في لعبة تعيينات ومحاصصات وبالتالي فهذا القانون لن يطبق، ولكن بمجرد كسره ستنخفض الأسعار بشكل كبير".
غياب الإحصاءات العلمية الرسمية
وعن نسبة التبادل التجاري بين لبنان وأوكرانيا وروسيا، يشير رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي إلى أن "معلوماتنا متوقفة منذ الشهر الثالث من عام 2021 لأنه من بعدها لم تصدر الجمارك أرقاماً، وهي معروفة بأنها مصدرنا الرسمي، ولكن في موضوع الزيوت لا يقل استيراد زيت دوار الشمس عن 70 في المئة، أما في ما يتعلق القمح فيأتي قسم كبير من روسيا وأوكرانيا لا تقل نسبته عن 45 في المئة، أما بالنسبة إلى المصادر البديلة فموجودة ولكن أسعارها مرتفعة".
ويلفت البحصلي أن "الأزمة الأوكرانية أثرت في سائر المواد الغذائية ومن ضمنها الأعلاف والذرة وأسعار المحروقات عالمياً، وثمة أزمة كبيرة في موضوع الأسمدة إما لأنهم يمنعون التصدير أو لأنهم لا يريدون الاستيراد منا"، مشيراً إلى أن "روسيا وأوكرانيا يصدران نسبة كبيرة من الأسمدة عالمياً، مما أحدث أزمة كبيرة في شح الأسمدة بأوروبا".
بين ارتفاع الأسعار عالمياً والاحتكار
أما بالنسبة إلى ارتفاع الأسعار في ظل انخفاض سعر الصرف مقابل الدولار، فيقول عجاقة إن "لدينا اليوم أزمة عالمية، فقد أعلن أخيراً في أوروبا وتحديداً فرنسا أنهم يوزعون ليتراً من الزيت على كل عائلة، أي أن هناك نوعاً من التقنين في التوزيع، وبالتالي فالتسعير يكون بناء على السعر العالمي وبالتالي ترتفع الأسعار داخلياً لتغطية مشترياتها، والأمر ذاته عند انخفاض الأسعار. وفي الوقت الحالي فمن الطبيعي أن ترتفع الأسعار وتنقطع البضائع، لذا لا يمكن اعتبارها جني أرباح واحتكار وبالتالي فهناك شروط حرب علينا أخذها بعين الاعتبار، ولكن هذا لا يعني أننا مع رفع الأسعار في حال انخفض السعر عالمياً مما يجعلنا على تواصل دائم مع وزارة الاقتصاد".
وبالنسبة إلى الاحتكار فيرى أنه "لدينا سوء في تعريفه، فالاحتكار لا يتناول فقط التاجر بل أيضاً المواطن الذي يخبئ البضائع عنده ويكدسها في منزله، لذا علينا أن نعي أهمية هذا المفهوم منعاً للتجاوزات التي تحصل".
ملامح أزمة قمح
ويشير البحصلي إلى أن "لبنان في أزمة مرتبطة بعدم تمويل مصرف لبنان لشحنات القمح التي وصلت، لأن القمح لا يزال مدعوماً"، مؤكداً أن "المخزون في الأراضي اللبنانية يكفي أكثر من شهر ونصف الشهر لكنه غير مدعوم، أي أن التجار أقدموا على شرائه ودفعوا ثمنه بالدولار ليتم تأمينه، ولكن إذا لم يتم تمويله على السعر المدعوم من قبل مصرف لبنان فلن يكفي مخزون القمح بضعة أيام فقط، وهنا تكمن المشكلة بين الحكومة ومصرف لبنان أكثر من كونها أزمة توافر السلعة من عدمها".