مع مرور 100 يوم على بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، تمددت أزمة الغذاء حول العالم حتى باتت أن تتحول لمجاعة في بعض الدول.
وحجبت الحرب الروسية الأوكرانية نحو 30% من صادرات القمح العالمية التي كانت توفرها روسيا وأوكرانيا، كما ارتفعت أسعار السلع الغذائية منذ اندلاع الحرب وتعطلت الشحنات عبر البحر الأسود بسبب تداعيات الحرب.
وأثرت قيود التصدير على 17% من الغذاء العالمي حتى الآن وفقًا للمعهد الدولي لبحوث السياسات الغذائية (IFPRI)، وهو منظمة مقرها واشنطن.
وقد أدى الأمر أيضا إلى قفزة في أسعار الحبوب الغذائية وزيت الطهي فمنذ منتصف فبراير إلى 17 مايو/ أيار الجاري، ارتفعت أسعار القمح بنسبة 60% ، بينما ارتفعت أسعار زيت الطعام بنسبة 25-40%.
وسلطت الأمم المتحدة الضوء على مدى خطورة الموقف، قائلة في تقرير نشرته "نيويورك تايمز"، إن ما لا يقل عن 276 مليون شخص يواجهون الآن انعدامًا حادًا للأمن الغذائي، ارتفاعًا من 135 مليونًا قبل الوباء ، و 49 مليون شخص في 43 دولة على حافة الهاوية المجاعة.
ويؤكد ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، إن العالم يمر بالفعل بأزمة غير مسبوقة.
ومن المرجح أن يؤدي حظر الصادرات إلى خفض الإمدادات الغذائية العالمية حيث وصلت الأسعار إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2011.
تلعب الحرب الروسية الأوكرانية دورا بارزا في الضغط على اقتصاديات الدول النامية خصوصا في شمال أفريقيا، نظراً للدور المحوري لروسيا وأوكرانيا في إمدادات الطاقة والمساهمة الكبيرة لكلا البلدين في الصادرات الزراعية العالمية، خصوصا أن 60% من زيت عباد الشمس يأتي من أوكرانيا وروسيا، و25% من القمح و15% من الذرة والأسمدة سلع أساسية.
وتستمر الحرب الروسية الأوكرانية في الضغط على أسواق السلع ما أدى إلى زيادات حادة في أسعار السلع، لأنهما مصدران رئيسيان للعديد من السلع الأساسية، كما تضررت أسواق الطاقة بشدة، نظراً للدور المحوري لروسيا في إمدادات الطاقة العالمية، ومع ارتفاع سعر نفط برنت بنسبة 50% هذا العام وكذلك أسواق المواد الغذائية، وهي من بين الأسواق الأكثر تضرراً.
وتستحوذ روسيا وأوكرانيا معاً على ما يقرب من 60% من الصادرات العالمية من زيت عباد الشمس، وأكثر من 25% من القمح، ونحو 15% من الذرة، كما تعتبر كل من روسيا وبيلاروسيا من المنتجين المهمين للأسمدة، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار الحبوب بعد اندلاع الصراع.
حمل الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أمس الجمعة، الحرب الروسية في أوكرانيا مسؤولية ارتفاع أسعار الغذاء.
وقال بايدن، حرب بوتين في أوكرانيا تتسبب في ارتفاع الأسعار.
كما أضاف، شحنات الحبوب من أوكرانيا توقفت بسبب الحرب الروسية في أوكرانيا.
واتهم سفير أوكرانيا لدى أنقرة مساء الجمعة روسيا بـ"سرقة" محاصيل حبوب أوكرانية وتصديرها إلى دول عدة بينها تركيا.
وقال فاسيل بودنا إن "روسيا تسرق الحبوب الأوكرانية بوقاحة وتشحنها إلى الخارج من شبه جزيرة القرم، بما في ذلك إلى تركيا".
وأضاف في تغريدة على تويتر "طلبنا مساعدة تركيا لحل المشكلة".
وكانت أوكرانيا من مصدّري الحبوب الرئيسيين قبل العملية العسكرية الروسية في الأراضي الأوكرانية خلال 24 فبراير/شباط الماضي.
ومن جهته رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محاولات تحميل بلاده مشكلات سوق الغذاء العالمية.
وأضاف بوتين، في مقابلة بثها التلفزيون الرسمي "الوضع سيزداد سوءا لأن البريطانيين والأمريكيين فرضوا عقوبات على أسمدتنا".
وقال ارتفاع أسعار الأسمدة لا علاقة له بالعمليات العسكرية في أوكرانيا، مؤكدا أنه لا مشكلات في شحن الحبوب من أوكرانيا
وأضاف، أن الوضع المزعج في سوق الغذاء العالمية يتصل بالسياسة الأوروبية قصيرة النظر في مجال الطاقة، مشيرا إلى أن قرار أمريكا بطبع نقود أدى إلى زيادة أسعار الغذاء عالميا.
وقال الوضع سيزداد سوءا بفعل العقوبات على إنتاجنا من الأسمدة، مؤكدا أن أوروبا بالغت في أهمية مصادر الطاقة البديلة.
وسجل سعر طن القمح اليوم السبت نحو 1041.10 دولار، مقابل 801.90 دولار للطن مطلع العام الجاري 2022/2023، ليقفز سعر طن القمح بنحو 200 دولار في 100 يوم من بدء الحرب الروسية الأوكرانية.
وتوقع البنك الدولي في نشرة "آفاق أسواق السلع الأولية" أن ترتفع أسعار الطاقة أكثر من 50% في 2022 قبل أن تتراجع قليلاً في عامي 2023 و2024، وأن ترتفع أسعار السلع الأولية غير المتصلة بالطاقة، بما في ذلك السلع الزراعية والمعادن، بنسبة 20% تقريباً في عام 2022، لكنها ستتراجع أيضاً في السنوات التالية.
ومع ذلك، من المتوقع أن تظل أسعار السلع الأولية أعلى بكثير من متوسطها خلال فترة الخمس سنوات الأخيرة. وفي حالة طول أمد الحرب الدائرة، أو فرض عقوبات إضافية على روسيا، فمن الممكن أن تواصل الأسعار ارتفاعها وأن تكون أكثر تقلباً مما هو متوقع في الوقت الراهن.
وقال البنك الدولي إن الزيادة التي شهدتها أسعار الطاقة على مدى العامين الماضيين هي الأكبر من نوعها منذ أزمة النفط في عام 1973"
ولفت إلى الزيادات الكبيرة في أسعار السلع الغذائية - حيث تمثل روسيا وأوكرانيا أكبر المنتجين- وفي أسعار الأسمدة، التي تعتمد على الغاز الطبيعي باعتباره أحد مستلزمات إنتاج الأسمدة، هي الأكبر منذ عام 2008.
قدرت أوكرانيا خسائرها في البنية التحتية، بأكثر من 565 مليار دولار منذ بدء العملية العسكرية الروسية، بحسب وزير البنية التحتية في أوكرانيا أوليكسندر كوبراكوف.
وتشير التقديرات بأن أوكرانيا تسجل خسائر تقدر بنحو 6 مليارات دولار في اليوم الواحد، بإجمالي 600 مليار دولار خلال 100 يوم منذ بداية الحرب وحتى الآن، وتراجع الناتج الإجمالي المحلي 35%، وتتكدس في موانئ أوكرانيا نحو 22 مليون طن من الحبوب لا يمكن تصديرها،
وعن خسائر روسيا جراء الحرب فتم تجميد نحو 300 مليار دولار من الذهب والعملات النقدية ضمن العقوبات الأوروبية، بجانب عزل روسيا عن نظام "سويفت" المالي العالمي، وهبط سوق الأسهم في روسيا بنحو 40% منذ مطلع العام الجاري، وقد تخسر موسكو نحو 22 مليار دولار إزاء حظر أوروبا للنفط الروسي،
وتقلصت حركة الطيران عبر روسيا من 8.1 مليون مسافر إلى 5.1 مليون مسافر، بمعدل انخفاض 2.9 مليون مسافر خلال الثلاثة أشهر الأولى من العام الجاري، كما ارتفع معدل التضخم بنحو 17.8%.
أقر الاتحاد الأوروبي الجمعة رسميا الحزمة السادسة من العقوبات ضد روسيا من أجل تجفيف منابع تمويل حربها ضد أوكرانيا، وذلك بعد مفاوضات شاقة أفضت إلى حظر معظم واردات النفط منها تدريجيا واتخاذ تدابير مالية جديدة ومعاقبة أشخاص.
باستهدافها مصدر دخل مهما لموسكو، تعد العقوبات التي نُشرت الجمعة في الجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي الأشد صرامة منذ بدء الحرب، وقد واجهت الدول الأعضاء صعوبات في التوافق حولها بسبب عرقلة المجر.
تم توسيع القائمة السوداء الأوروبية لتشمل نحو ستين شخصية روسية إضافية بينها لاعبة الجمباز السابقة ألينا كابيفا التي استُهدفت بسبب دورها على رأس مجموعة إعلامية تنشر "دعاية" الكرملين. وقد أكدت وسائل إعلامية وجود علاقة بينها وبين الرئيس فلاديمير بوتين الذي نفى ذلك.
ولا تشمل العقوبات بطريرك موسكو وعموم روسيا كيريل الذي كانت بروكسل تعتزم إضافته إلى قائمة العقوبات غير أنه تم تجنيبه بسبب رفض رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان باسم "الحرية الدينية".
وتشمل العقوبات إقصاء ثلاثة مصارف روسية من نظام سويفت للتحويلات المالية الدولية، من بينها "سبيربنك" أكبر بنك في روسيا والذي يمثل أكثر من ثلثي السوق. وسبق أن أقصيت سبعة بنوك روسية من هذا النظام.
وسيتم حظر واردات النفط الروسي الخام بالناقلات في غضون ستة أشهر والمنتجات النفطية في غضون ثمانية أشهر. في المقابل، سيكون بالإمكان مواصلة الإمدادات عبر خط أنابيب "دروجبا" بصورة "موقتة" إنما بدون تحديد مهلة، علما أن هذه الإمدادات تزود بصورة خاصة ثلاثة بلدان لا تملك منفذا على البحر هي المجر وسلوفاكيا وجمهورية تشيكيا.
وتم الحصول على هذا التنازل بفعل الضغوط التي مارسها رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان الذي تعول بلاده على النفط المتدني الكلفة الذي ينقله خط الأنابيب لتأمين 65 بالمئة من استهلاكها.
سيؤثر الحظر التدريجي على ثلثي المشتريات الأوروبية، بعد أن قررت ألمانيا وبولندا بمفردهما وقف عمليات التزود عبر "دروجبا" بحلول نهاية العام، وستتأثر وفق الأوروبيين الواردات الروسية بأكثر من 90%.
في حالة إغلاق خط أنابيب "دروجبا" الذي يعبر أوكرانيا، سيكون من الممكن إعفاء البلدان المتضررة من الحظر والسماح لها بالتزود من طريق البحر "موقتًا".
ولتعزيز فعالية الحظر، لن يُسمح للمشغلين الأوروبيين بتمويل الناقلات التي تنقل النفط الروسي إلى دول ثالثة أو تأمينها في غضون ستة أشهر من أجل إعاقة إعادة توجيه الصادرات من موسكو.
كما ستحظر إعادة بيع المنتجات البترولية المشتقة من الخام الروسي في غضون ثمانية أشهر داخل الاتحاد الأوروبي وللدول الثالثة.
بسبب التأخير في وقف الواردات، قللت روسيا من تأثيرها مؤكدة أن الأوروبيين سيكونون "أول من يعاني".
وحذر مركز الأبحاث الأوروبي "بروغل" من أن "الخطر يتمثل في يؤدي الحظر إلى توتر الوضع في أسواق النفط، ورفع الأسعار وبالتالي زيادة دخل روسيا لعدة أشهر".
بلغت فاتورة الواردات الأوروبية من النفط الروسي 80 مليار يورو عام 2021، أي أربعة أضعاف مشتريات الغاز من روسيا.
كما أضاف الاتحاد الأوروبي إلى قائمته السوداء 65 شخصًا و18 شركة حرموا من الدخول إلى الاتحاد الأوروبي وجمدت أصولهم.
ومن بين هؤلاء عسكريون متورطون "في الفظائع التي ارتكبها" الجيش الروسي في مدينتي بوتشا وماريوبول الأوكرانيتين المدمرتين، ورجال أعمال وأقارب أوليغارشيين وشخصيات مرتبطة بالسلطة الروسية من بينهم زوجة وابن وابنة المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف.
ووضعت هذه القائمة منذ ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم عام 2014، وباتت تشمل 1091 شخصًا و80 كيانًا.
كما تم تعليق بثّ ثلاث قنوات تلفزيونية روسية في الاتحاد الأوروبي بينها قناة "روسيا 24" و"آر تي آر" لاعتبارها "أدوات تضليل" في خدمة دعاية الكرملين.
بعد الحظر على الفحم والنفط الروسيين، يفكر الأوروبيون في حزمة عقوبات سابعة لعزل روسيا بشكل أكبر، ولكن لا يتوقع في الوقت الحاضر تضمينها الغاز الذي لا يزال الأوروبيون يعتمدون عليه بشدة لا سيما أن تعويضه أصعب بكثير من النفط.
في المقابل، أعلن رئيس الاتحاد الأفريقي الرئيس السنغالي ماكي سال الجمعة أنه خرج "مطمئنا" إثر لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد أن أعرب له عن مخاوفه حيال أثر الأزمة الغذائية الناجمة عن الهجوم الروسي في أوكرانيا، على أفريقيا.
وأضاف، أنه وجد الرئيس الروسي "ملتزما ومدركا ان أزمة العقوبات تتسبب بمشاكل خطيرة للاقتصادات الضعيفة مثل الاقتصادات الأفريقية".
وتابع: "بوتين تطرق لعدة وسائل لتسهيل التصدير، إما عبر ميناء أوديسا" الذي يجب أن تنزع الألغام منه أو عبر "ميناء ماريوبول" الذي استأنف العمل في الآونة الأخيرة مع سيطرة موسكو على المدينة، أو حتى "عبر الدانوب" أو "بيلاروس".