في الوقت الذي توقعت فيه الحكومة الجزائرية عجزا تاريخيا في موازنتها للعام الجاري، بما يعادل 31 مليار دولار، مقابل سعر مرجعي لأسعار النفط بـ45 دولارا وفق قانون المالية 2022، قفزت السوق النفطية العالمية إلى أعلى مستوى لها منذ 2008 بفعل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، مما جعل الجزائر ضمن أبرز المستفيدين من انتعاش أسعار المحروقات باعتبارها المورد الرئيسي لمداخيل الخزينة العامة.
وسارعت وزارة الطاقة لإعلان إنتاج سيبلغ مليونا وألفي برميل في اليوم خلال شهر أبريل/نيسان القادم، في حين صرح مدير الشركة الوطنية للنفط (سوناطراك) توفيق حكار بأن المؤسسة لديها "قدرة غير مستغلة على أنبوب الغاز العابر للمتوسط، الرابط بين الجزائر وإيطاليا، والتي يمكن استغلالها لزيادة حجم التموين للسوق الأوروبية".
وبلغ المعدل السنوي لأسعار خام صحاري الجزائر 70.89 دولارا للبرميل في 2021، في وقت فاقت فيه صادراتها من النفط والغاز 34.5 مليار دولار، وفق الأرقام الرسمية.
وبحلول نهاية 2022، فإنه من الممكن جدا، وفق توقعات خبير اقتصاد الطاقة عبد الرحمن عية، أن تبلغ مداخيل الجزائر بالعملة الصعبة من مبيعات البترول والغاز 42 مليار دولار، وهو رقم لم يتحقق لها منذ عام 2014.
وأوضح الخبير في تصريح للجزيرة نت أن المؤشرات الحالية ترجح استقرار متوسط سعر البرميل عند حدود 100 دولار بالنظر إلى أن المستويات القياسية 130 و140 دولارا لم تتجاوز الأسبوع، مع توقع تراجع السعر إلى أقل من 70 دولارا خلال الثلث الأخير من 2022، وبالتالي ستزداد مداخيل صادرات الجزائر من البترول والغاز ما بين 8 و10 مليارات دولار، في ظل إمكانية رفع شركة سونطراك حصتها من صادرات النفط وكذا الغاز المميع، لأن هامش تحرّك الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب صعودا ونزولا يبقى ضيقا بحكم السعر التعاقدي، كما أنه يمثل ثلثي مبيعات الجزائر من الغاز.
وتوقع عبد الرحمن عية ارتفاع مداخيل الجزائر من الجباية البترولية إلى 35 ألف مليار دينار (27 مليار دولار) بعدما كانت في حدود 25 ألف مليار دينار (21 مليار دولار) عام 2021، وهو ما "يقلل عجز الميزانية العامة للدولة بنسبة 50%، ويمنح الحكومة موارد إضافية مهمة لتمويل زيادات الأجور ودعم المواد الغذائية الأساسية".
ومن جهته، أكد الخبير المالي بريش عبد القادر أن الوضع الإيجابي الطارئ يتيح هامش أمان مالي للحكومة الجزائرية في مواجهة متطلبات إدارة الاقتصاد وتلبية الاحتياجات الوطنية من استيراد مختلف المواد الأولية والسلع الأساسية.
وشدّد بالمقابل على استخلاص الدروس من هذه الحرب والتحولات الجيوسياسية والجيواقتصادية بتعزيز قدرات الجزائر الإنتاجية والتصديرية من النفط والغاز، بزيادة الاستثمارات وإبرام عقود غاز طويلة الأجل، واستغلال كل القدرات الكامنة في مختلف مصادر الطاقة التقليدية وغير التقليدية.
وأشار في تصريح للجزيرة نت إلى إلزامية استغلال الوفرة المالية الحالية في ضمان أمن الطاقة الداخلي وإمدادات شركاء الجزائر، مع ضرورة إطلاق مشاريع للصناعة التحويلية الطاقية والبتروكميائية والطاقات المتجددة.
وستدفع هذه المعطيات الحكومة إلى مراجعة خطتها الاقتصادية، بحسب مراقبين، بزيادة النفقات العامة في مجالات التجهيز والاستثمار، والتحرير الجزئي للتجارة الخارجية بعد منع 2900 منتج من الاستيراد بسبب تآكل احتياطي العملة الأجنبية.
وفي غضون ذلك، أعلنت السلطات عن صرف منحة البطالة لأول مرة يوم 28 مارس/آذار الجاري، والمقدرة بـ13 ألف دينار (ما يقارب 100 دولار)، لفائدة أكثر من 300 ألف شاب من طالبي العمل، والقائمة مفتوحة للاستفادة وفق الشروط المحددة. كما كشفت وزارة المالية عن زيادة ثانية للأجور قبل نهاية شهر أبريل/نيسان المقبل.
وأمر الرئيس عبد المجيد تبون مؤخرا بتجميد كل الضرائب والرسوم حتى إشعار آخر، ولاسيما التي تضمنها قانون المالية 2022 على بعض المواد الغذائية، مع إلغاء كل الضرائب والرسوم على التجارة الإلكترونية، والهواتف المحمولة الفردية، ومستلزمات الإعلام الآلي الموجهة للاستعمال الفردي والمؤسسات الناشئة.
وقرر مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير رفع القيود الإدارية عن 109 مشاريع استثمارية، مما يسمح بدخول 491 مشروعا جديدا حيز الخدمة، وفق بيان رئاسة الجمهورية.
ومن جانبه، كشف الرئيس المدير العام لشركة سوناطراك أن الخطة الاستثمارية لعام 2022 تبلغ نحو 8 مليارات دولار، موجهة للتنقيب عن الحقول النفطية وتطويرها لزيادة الإنتاج.
وأكدت مصادر مطلعة للجزيرة نت أنه من الوارد جدا صدور قانون مالية تكميلي لاستدراك الاختلالات الملاحظة عند تطبيق قانون 2022، إضافة إلى اعتماد برامج ومخصصات جديدة لتعزيز البنية التحتية والمرافق العمومية في ضوء تحسّن موارد الموازنة العامة.
من جانب آخر، رجح عضو لجنة المالية بالبرلمان عبد القادر برّيش إعادة النظر في ترتيب سلم الأولويات على مخطط عمل الحكومة بإعطاء الأهمية لمجالات حيوية ترتبط ارتباطا وثيقا بالأمن القومي، وتحديدا ما تعلق بتحقيق متطلبات الأمن الاقتصادي والطاقي والغذائي والمائي والسيبراني.
وقال إن الحكومة ستستغل زيادة عائدات المحروقات في تحقيق برنامج الانعاش الاقتصادي وتعزيز صلابة التوازنات المالية، خاصة تقليص عجز الموازنة، مع زيادة حجم الاستثمارات العمومية المستحدثة للثروة والتنويع الاقتصادي.
وحذّر الخبير برّيش من العودة إلى "سياسة شراء السلم الاجتماعي التي أثبتت عدم جدواها اقتصاديا واجتماعيا، بل على الحكومة مواصلة برنامج الإصلاحات الهيكلية في مجال المالية والبنوك واحتواء السوق الموازية".
وشدد على أهمية استكمال المشاريع المعطلة، والمضي قدما في رقمنة كافة القطاعات وتحسين الإطار المعيشي والقدرة الشرائية للمواطنين بخلق بيئة محفزة للاستثمارات الوطنية والأجنبية، على حد وصفه.